أحد أساليب النصب الطبي المنتشر في أمريكا يسمي Homeopathy.
Homeo بادئة تعني مشابه، و pathy لاحقة تعني مرض، و بالتالي Homeopathy تعني المرض المشابه.
فكرة ال Homeopathy هي إعطاء المريض جرعة مخففة للغاية من عقار يحدث نفس المرض الذي يرجو العلاج منه. علي سبيل المثال إن كان المريض مصاب بإرتفاع في الضغط يتم البحث عن عقار يسبب إرتفاع الضغط، و إعطاؤه جرعة مخففة جداً لدرجة قد تصل إلي واحد في المليون من الجرعة التي يفترض أن تحدث إرتفاع في الضغط لدي شخص سليم.
بالطبع لا يوجد أي تفسير علمي منطقي لهذا الهراء ولا فائدة أو ضرر يمكن أن يجني منه سوي تأثير البلاسيبو أو الدواء الوهمي الذي يعتمد علي الأثر النفسي الذي يحدثه هذا الدواء لدي مريض علي إستعداد لأن يتكون لديه هذا الأثر النفسي. فكرة البلاسيبو و تأثيره معروف منذ زمن، بل إن الصيادلة و الأطباء لاحظوا أن شكل العلبة التي تحتوي المسكنات لها دور في فاعليتها، فالمسكن الذي يباع في علبة فاخرة الشكل غالية الثمن أكثر فاعلية من نفس العقار إن تم بيعه في علبة بسيطة.
أخبرتني والدتي (و هي طبيبة) أن د. أحمد عكاشة أستاذ الأمراض النفسية حكي للطلبة أثناء دراستها أن أحد القرويين جاءه بإبنته التي كانت مريضة نفسياً يطلب علاجها. لم يفلح معها العلاج و بعد عدة شهور جاء والد الفتاة ليخبره أن إبنته قد شفيت بعد أن قام بعمل (طاسة الخضة) لها. بالطبع الموضوع منطقي، الفتاة من بيئة ريفية لم تعتد عيادات الأمراض النفسية و لا جلسات العلاج النفسي أو الأقراص المهدئة، بينما هي تؤمن بطاسة الخضة و الزار و الأعمال السفلية إيماناً لا يتزحزح و بالتالي يمكن لمثل هذه الأشياء أن تشفيها من أمراضها النفسية. بالطبع جاء القروي ليخبر الطبيب الشهير بالكثير من الشماتة أن علمه لم يفلح بينما أفلحت (طاسة الخضة).
المشكلة أن د. أحمد عكاشة كان يعرف أن العلاج لن يجدي مع الفتاة لأنها لا تثق به من الأساس، و لكنه لم يكن يستطع أن يطلب من الأب أن يقوم بعمل زار أو طاسة الخضة لإبنته، إذ أن المشهد سيكون كوميدياً بكل تأكيد و غالباً سيسيء الي سمعته كطبيب لذا إستمر في العلاج التقليدي الغير مجدي و لحسن الحظ أدرك والدها العلاج المناسب. هذا نموذج للبلاسيبو حين يكون أكثر فاعلية من أي دواء آخر علي الإطلاق.
طبقاً لحقيقة أن تأثير الدواء يقل مع قلة الجرعة و بما أن الHomeopathy يتم إعطاؤه بجرعات غاية في التخفيف، فإن الHomeopathy غير مضر و بالتالي فهو مصرح به في أمريكا بشكل قانوني بل و يباع في السوبرماركت و المحلات العامة و ليس في الصيدليات فقط.
في كتب ال Homeopathy و المدارس الطبية التي تدرسه تجد مقولة شائعة هي أن القواعد العلمية الصارمة لا يمكن أن تنطبق علي ال Homeopathy و هو إعتراف صريح ببعد الموضوع عن العلم - أو علي الأقل العلم الذي يقره العلماء و الأطباء، و علي الرغم من هذا فهو يلاقي قبولاً لدي شريحة واسعة من المجتمع الأمريكي.
التفسير ربما يكمن في طبيعة المرضي أنفسهم. في أحد المقالات الطريفة قام أحد الأطباء بتصنيف المرضي حسب طريقة تعاملهم مع الطبيب و نظرتهم له. من ضمن ما قاله، قال إن الكثير من المرضي لا يهتمون بنوعية الدواء الذي يكتب لهم أو حتي نوع العملية الجراحية التي ستجري لهم، فقط هم سيطيعوك فيما تأمرهم به في مقابل وعد منك بأن تجعلهم أفضل في النهاية. الكثير من الناس ينفرون من التفاصيل و لا يحتاجون سوي وعد منك بأن تجعلهم أفضل و هذا كاف لإكتساب ثقتهم. لا تحاول أن تناقشهم بالمنطق و القواعد العلمية الصارمة لأنهم لا يفهمونها و لا يريدون أن يفهموها.
نفس الشيء يمكن أن ينطبق علي الأعشاب هنا، مع إضافة لمسة دينية إلي الموضوع لجعل الموضوع أكثر قابلة للتصديق نظراً لتغلغل الدين في عقول المصريين و وجدانهم. مادام الموضوع فيه قرآن يذكر أو حديث شريف فإن الموضوع سيكون اكثر قابلية للتصديق حتي إن كانت الآية أو الحديث في غير موضوعهم لأن من يستخدم الأعشاب لا يريد أن يستخدم عقله أو يحلل الأمر كثيراً أو قليلاً بل يحتاج فقط لأن يستمع لشخص يثق به.
في كل الأحوال ال Homeopathy لا يسبب ضرراً، فهو في أسوأ الأحوال نصب و سرقة لأموال المرضي، أما العلاج بالأعشاب فمن الممكن بسهولة أن يكون ضاراً. ربما إستطاع نصابوا الأعشاب في مصر أن يجلبوه إلي السوق فهو بالتأكيد سيكون أقل ضرراً من الأعشاب التي يبيعونها.