ذات يوم منذ بضعة شهور مضت ذهبت إلي محلات فيرجن في سيتي ستارز لألقي نظرة علي أحدث ما وصلهم من كتب، و هي عادة أمارسها مرة كل شهر تقريباً إذ أمر علي المكتبات الأربع (فيرجن، ديوان، دار الشروق، مدبولي ) كلما سنحت الفرصة و كنت بقرب أي منهم.
وجدت هناك كتاباً يدعي (القلعة الموجودة في الغابة The Castle in the forest ) لكاتب يدعي نورمان ميلر. تصفحت الكتاب سريعاً فوجدت أنه كتاب يدور حول طفولة هتلر. سجلت إسم الكتاب علي الهاتف المحمول و عندما عدت للمنزل بحثت عن معلومات عن الكتاب علي موقع أمازون كعادتي حين يجذبني كتاب ما.
وجدت أن الكتاب يدور حول طفولة تخيلية لهتلر ليس لها أي سند تاريخي، طفولة فيها كل ما هو منفر و مقزز، زنا محارم، عنف أبوين، مشاهد جنسية و أشياء أكثر إثارة للإشمئزاز من أن أكتبها. القصة تدور علي لسان أحد الشياطين الذي كلف من قبل (ساتان) كبير الشياطين بتنمية الشر المتأصل في نفسية أدولف الصغير.
بالبحث عن الكاتب (نورمان ميلر) وجدت أنه يهودي و عندها صار الأمر مفهوماً. ما دار في خلدي هو أن كراهية هتلر لليهود تذكر في كل الأعمال الأدبية و السينمائية دون أن يذكر مبررها. هذا في صالح اليهود لأنه طبقاً للتوارة المحرفة فإنهم سينالون فلسطين في مقابل مصيبة عظيمة تصيبهم. هذه المصيبة هي ما فعله به هتلر طبقاً لإدعائهم، لهذا يسمون المحرقة النازية (هولوكوست) و هي كلمة دينية تعني حرق القربان علي المعبد. لابد من إظهار أن من ماتوا في معتقلات هتلر كانوا قرباناً إلي الله في مقابله نال اليهود فلسطين، و لابد من أن يظهر هتلر علي أنه مصيبة أو قدر لا مبرر له مثلما ظهر في رواية ميلر. و بالتالي إن شككت في المحرقة النازية (هناك مئات النقاط التي تثير الشك في المحرقة النازية مثل وسائل الإعدام و الأعداد التي تم الإعلان عنها، إلخ) فأنت تشكك في أحد الأسس الدينية لقيام إسرائيل و هو ما يقابله اليهود بعنف قد يصل إلي حد الإغتيال.
السؤال هنا: لماذا كره هتلر اليهود؟ لقد كان هتلر يحتقر كل فئات البشر ما عدا الجنس الآري و لكن اليهود كان لهم نصيب الأسد في كراهيته و إحتقاره.
هناك سؤال آخر إجابته متعلقة بإجابة السؤال السابق : لماذا منح بلفور وعده الشهير لليهود؟ هل كان الإنجليز مرهفي الحواس و قد أثارت القضية اليهودية شجونهم مما دفع وزير خارجيتهم إلي إعطائهم وعده الشهير؟ و حتي إن كان الإنجليز قد تملكتهم الشفقة علي اليهود، لماذا سيطرت عليهم هذه الشفقة عام 1917 في غمرة الحرب العالمية الأولي التي كانت إنجلترا طرفاً فيها؟ بعبارة عامية (هما في إيه ولا في إيه).
في عام 1916 و بعد عامين من بداية الحرب العالمية الأولي كانت ألمانيا متفوقة علي إنجلترا. إستطاعة المدمرات الألمانية إغراق معظم الأسطول البريطاني الذي كانت تعتمد عليه إنجلترا في إمدادها بالمؤن. في ذلك الوقت كان مخزون الطعام و الوقود الموجود في إنجلترا يكفي لمدة أسبوعين إثنين فقط بعدها تبدأ إنجلترا مرحلة من المجاعة.
تقدم الألمان بطلب لوقف الحرب و تعود كل دولة لحدودها التي كانت عليها قبل الحرب و هو مطلب كريم و سلمي إلي درجة كبيرة إن وضعنا في الإعتبار أن من تقدم به هو الطرف المنتصر الذي تبقي أمامه بضعة أيام و يسحق الطرف الآخر.
في هذه الأثناء لم تكن أمريكا بمواردها المهولة طرفاً في الحرب بل بقيت علي الجانب الآخر من المحيط تشاهد ما يحدث فقط، و هو نفس الوضع الذي تكرر في الحرب العالمية الثانية.
هنا تقدم اليهود الألمان بعرضهم لإنجلترا. في مقابل منح فلسطين لليهود فإن اليهود الألمان علي إستعداد للإتصال باليهود الأمريكيين ليتدخلوا بما لهم من نفوذ مالي و سياسي لدفع أمريكا للدخول في الحرب إلي جانب إنجلترا. قام بلفور بإصدار وعده الشهير و قام اليهود الألمان بما وعدوا به و تدخلت أمريكا بمواردها الهائلة و خسرت ألمانيا الحرب العالمية الأولي.
حين ذهب القادة الألمان للتوقيع علي وثيقة الإستسلام فوجئوا بوجود اليهود علي مائدة المفاوضات. لم يكن الألمان يعرفون الدور اليهودي حتي هذه اللحظة و الآن ظهرت المؤامرة اليهودية كاملة أمام أعين الألمان و قد أذهلتهم إلي أقصي درجة، لأنه قبل قيام الحرب العالمية الأولي كان اليهود أحد أكثر الفئات ثراءاً في المجتمع الألماني. لم يكنّ لهم الألمان أي عداوة و كانت كبري المشاريع و الشركات في ألمانيا ملك لليهود، مشاريع مثل البنوك الضخمة، أكبر خط نقل بحري في العالم (كان بين ألمانيا و أمريكا و كان ملكاً لإثنين من اليهود)، الخ.
أدت خسارة ألمانيا للكثير من الأضرار المادية بسبب تقسيم الأقاليم المليئة بالمواد الخام و الثروات الطبيعية علي الدول المنتصرة (فرنسا و إنجلترا علي وجه الخصوص)، بالإضافة إلي كثير من الأضرار المعنوية للشعب الألماني بسبب الإستسلام المهين لألمانيا التي وقعت وثيقة إستسلامها في عربة قطار. ظل هذا الإستسلام المهين قائماً في نفسية الشعب الألماني و إحتفظ الألمان بعربة القطار هذه حتي قامت الحرب العالمية الثانية و إكتسح هتلر فرنسا و أجبرها علي التوقيع علي وثيقة إستسلامها في نفس العربة بعدها بعشرات السنوات !
لو وضعنا في الإعتبار أن هذه الهزيمة المؤلمة مادياً و معنوياً تسبب فيها اليهود الذين كانوا يلقون أفضل معاملة في البلد الذي سعوا لهزيمته لفهمنا لماذا كرههم هتلر و الألمان بعد الحرب العالمية الأولي، و لفهمنا عبارة هتلر التي ذكرها في كتاب كفاحي “لا يوجد يهودي ألماني أو نمساوي أو إنجليزي، اليهودية هي جنسية في حد ذاتها”.
كما كان منح فلسطين لليهود له مقابل من جانب اليهود، نفس الشيء مازال قائماً اليوم في العلاقة بين أمريكا و إسرائيل، فعلي الرغم من أن الكثيرين ينظرون لإسرائيل علي أنها الطفل المدلل لأمريكا إلا أن هذا سببه أن إسرائيل لديها ما تمنحه لأمريكا في المقابل.
قبل قيام إسرائيل بدأت أمريكا تفكر في إختيار (وكيل) لأعمالها في المنطقة علي غرار الشركات متعددة الجنسيات التي يكون لها وكلاء في الدول المختلفة. قام الرئيس الأمريكي روزفلت بزيارة للمنطقة عام 1945 إلتقي فيها بالملك فاروق ملك مصر و الملك عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية و الرئيس التركي عصمت إينونو. كان الهدف من الزيارة إختيار دولة تصلح وكيلاً للولايات المتحدة في المنطقة و قد رأي الرئيس الأمريكي أن أيا من الملوك و الرؤساء الثلاثة لا يصلح لأسباب مختلفة. في أثناء حرب فلسطين عام 1948 لم تتدخل أمريكا لصالح إسرائيل، و لكن حين قامت إسرائيل فيما بعد وجدت أمريكا فيها وكيلاً مناسباً لأعمالها في المنطقة.
حتي بعد قيام إسرائيل فإن الخيار مازال قائماً لإختار وكيل آخر إن وجد الوكيل الذي يصلح ليحل محل إسرائيل. حين قام السادات بتغيير سياسته و ترك السوفيت و إلتفت إلي الجانب الأمريكي خصوصاً أثناء المفاوضات التي جرت بعد حرب 1973، تم تفسير هذا علي أنه رغبة من السادات في أن يكون وكيلاً لأمريكا في المنطقة بدلاً من إسرائيل. ربما لم يكن هذا مقصد السادات و لكن هذا ما فهمه الجانب الأمريكي كما ذكر هنري كيسينجر فيما بعد و قد تم التفكير في هذه النقطة و رفضها سريعاً لعدة أسباب، أهما و أكثرها إثارة للأسي أن مصر دولة يحكمها أفراد و ليس مؤسسات مثل إسرائيل، وبالتالي فإن تغير الأفراد فلا أحد يضمن السياسة التي سيتبعها الحكام الجدد بعكس إسرائيل التي تحكمها مؤسسات معروفة الأهداف و الأفكار و التوجهات.
الإسرائيلين كأفراد و مواطنين يعلمون بأهمية الدور الذي تلعبه إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة. في مقال رائع ذكرت كاتبة أنها بينما كانت تتجول في القدس المحتلة وجدت محلاً إسرائيلياً يبيع تي شرت مكتوب عليه " لا تقلقي يا أمريكا، إسرائيل خلفك".
يمكننا أن نتذكر أهمية الدور الذي تقوم به إسرائيل لأمريكا إن تذكرنا الحرب الأخيرة مع حزب الله و التي ظل الأمريكيون يؤكدون فيها علي أهمية أن تسحق إسرائيل حزب الله مما دفع إسرائيل للإستمرار في حرب كانت ترغب في التراجع عنها مبكراً بسبب الخسائر الضخمة التي لقيتها.
و حتي اليوم فإن الكثير من المحللين للأحداث السياسية و المفاوضات يرون أنها ليست كلها في صالح الجانب العربي أو الإسرائيلي و أن هناك طرف ثالث يتدخل لأغراض خاصة به، و هذا الجانب هو أمريكا بالطبع. الموضوع هو منفعة متبادلة في المقام الأول و ليس كما يظن البعض دعم أمريكي بلا مقابل لإسرائيل.