أحد أهداف التشريعات الإقتصادية في الإسلام تقسيم الثروة و عدم تكوين الثروات الفاحشة في يد قلة من الناس (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ). الكثير من التشريعات مثل تحريم الربا و تقسيم التركات - في بعض الدول الأوربية يرث أكبر الأبناء ثروة أبيه أو أمه كلها- تهدف إلي تقسيم الثروات بين الناس. بالطبع هناك الغني و الفقير و لكن في نظام إقتصادي إسلامي سليم لا يمكنك أن تصل إلي مرحلة الثراء المبالغ فيه الذي نراه اليوم لشركات ميزانياتها تتعدي إقتصاديات دول بأكملها.
في هذا المقال سنستعرض بعض العوامل اللا أخلاقية التي تساهم في تكون الثروات الضخمة في العالم اليوم.
إقتصاد الدولة
مر إقتصاد الدول الغربية بمراحل من النمو حتي وصل إلي الوضع الذي وصل إليه الآن. في التحليلات الإقصادية للتاريخ نري أن الإستعمار بالنسبة لأوروبا و إستخدام العبيد بالنسبة لأمريكا كانا من العوامل الرئيسية لبناء إقتصادهم بالشكل الحالي و ما كان ممكنناً الوصول بهذه الدول إلي وضعها الحالي إلا لو إستخدموا الإستعمار و الإستعباد في ذلك الوقت الحرج من تاريخهم. فيما بعد يمكن لأمريكا أن تحرر العبيد و تطالب بالمساواة، و لكن لولا إستخدام العبيد في زمن كان فيه المهاجرين الأوائل فقراء باحثين عن الثروة في قارة شاسعة المساحة و عامرة بالموارد لما نما الإقتصاد الأمريكي بهذا الشكل الرهيب خلال أربعمائة عام.
دعك بالطبع من الإستعمار المغلف الذي تمارسه الدول الغربية في العالم اليوم، الإستعمار القائم علي فرض سياسات إقتصادية معينة من خلال هيئات مثل البنك الدولي و بمعونة حكومات موالية للدول الغربية تصب في النهاية في مصلحة الإقتصاد الغربي.
بالتالي فإن أي شركة أو مؤسسة في العالم الغربي تنعم بمميزات قامت و تقوم علي عوامل لا أخلاقية هي الإستعمار و الرق.
البنوك و الربا
في الكثير من الكتب الدينية نجد أن المبرر الذي يسوقه العلماء لتحريم الربا في الإسلام هو أن المرابي يستغل حاجة الآخرين لتحقيق منافع شخصية مما يقتل أواصر التراحم بين الناس في المجتمع. هذا هو السبب الذي الوحيد الذي ظل في ذهني حتي بدأت أقرأ قليلاً في الإقتصاد و قرأت تحليلات علماء الإقتصاد الغربيين الرافضين لنظام البنوك و كيف يدمر هذا النظم إقتصاد الدول.
فكرة الربا أن أي تجارة أو مشروع صناعي أو زراعي مثلاً معرض للمكسب و الخسارة في حين أن المرابي ليس أمامه إحتمال إلا الربح. علي المدي الطويل يؤدي هذا إلي تراكم الثروات في أيدي المرابين فقط دون غيرهم. فيما بعد وجدت تعقيدات أكثر للكوارث التي يسببها نظام البنوك و لكن لا يمكن شرحها هنا لأنها طويلة و سخيفة و لا تهم سوي الإقتصاديين، المهم أنها في النهاية عوامل أخري تؤدي إلي تدمير إقتصاد الدول لصالح قلة من الأثرياء.
نظراً لأن المرابي لا يتعرض لإحتمال الخسارة فقد كان الربا مهنة يحترفها اليهود في العصور الوسطي، خصوصاً في إيطاليا (تذكر أن شايلوك المرابي الشهير في رواية تاجر البندقية لشكسبير كان في فينيسيا الإيطالية) و من يهود إيطاليا جاءت فكرة البنوك، فعبارة بنك مشتقة من كلمة بانكو الإيطالية و تعني المنضدة، و هي المنضدة التي كان المرابي يرص عليها المال في إنتظار من يأتي ليطلبه.
في الماضي كان المرابي محتقراً بشدة و قد ترك هذا أثره في أدب العصور الوسطي و عصر النهضة. يمكنك أن تتذكر كيف سخر شكسبير من شايلوك في مسرحيته الشهيرة. في مسرحية أخري ذكرها الأستاذ محمد قطب في أحد كتبه (للأسف لا أتذكر إسم مؤلفها) نري أحد النبلاء و قد ارسل في طلب مرابي يهودي ليقترض منه مالاً، فلما جاء اليهودي ليسلمه المال أمره أن يضع المال علي تلك المنضدة هناك " لكي لا تتلوث يدي بملامسة يد شخص مثلك “. علي الرغم من هذا الإحتقار فقد ظل اليهود يمارسون الربا و كان هذا أحد أسباب كرههم في الكثير من المجتمعات الأوروبية قديماً.
لا أعرف متي و كيف تغيرت النظرة إلي الأنشطة القائمة علي الربا، ربما مع موجة رفض الدين و القيم المشتقة من الدين التي سادت أوروبا في عصور التنوير و لكن المهم أن اليوم هناك الكثير من المؤسسات البنكية في العالم و بالطبع فإن أصحابها من ذوي الثروات الرهيبة، و للأسف لم يعد ينظر لها نظرة إحتقار كما كان في الماضي و صار الأمر معتاداً و تقليديا.
العولمة و إزالة الهوية
هناك العديد من التعريفات لكلمة العولمة و لكن من الناحية الإقتصادية و الإجتماعية فإن أنسب تعريف هو إزالة الهوية. مشكلة الإنتاج الصناعي الذي بدأ منذ إستخدام الألات في الصناعة هي تشابه الإنتاج. الآلة تنتج سلعة واحدة فقط بكميات ضخمة بإختلافات بسيطة. من هنا كان من الضروري تشكيل أذواق الناس لتتشابه كلها.
تخيل علي سبيل المثال لو كان لكل دولة زي خاص بها يحرص أهلها علي إرتداؤه، كيف كان يمكن لمصانع الجينز أن تبيع إنتاجها علي مستوي العالم؟ ميزة الجينز أنه مقبول في أي دولة من دول العالم كزي مألوف يرتديه أهل هذه الدولة. نفس الشيء يمكن أن يقال علي البذلة و ربطة العنق، فهما زي معتاد أن يرتديه المرء في أي مكان في العالم في المناسبات و الأماكن الرسمية.
يمكنك أن تقيس كل السلع و المنتجات علي هذا النموذج، إن أمكن تشكيل أذواق الناس بحيث تتشابه، بحيث تختفي هوية المرء و تذوب تدريجياً لأمكن إستهداف العالم كله بسلعة واحدة. تشكيل أذواق الناس يتم عن طريق وسائل الإعلام و الدعاية المكثفة و إستخدام المشاهير كواجهات للإعلان عن السلع المختلفة.
اليوم صارت إذابة الهوية و تشكيل الأذواق خطاً اساسياً في وسائل الإعلام و الترفيه. لو إقتصر الأمر علي ذوق موحد في الثياب و السيارات مثلاً لما كان الموضوع مشكلة و لكن الأمر أعقد من ذلك.
في مقاله الشهير عن الفيديو كليب تحدث د. عبد الوهاب المسيري عن العري في الفيديو كليب علي أنه من وسائل إذابة الهوية في نفسية الإنسان. الجنس يحمل جانبان، جانب جسدي و جانب نفسي لأنه علاقة بين شخصين بينهما مشاعر خاصة. بالتركيز علي الجانب الجسدي يهمل المرء تدريجياً الجانب النفسي و يهمل فكرة أن الجنس علاقة خاصة بين شخصين، و تسقط القيم و يصبح المقياس الأول هو مقياس المتعة الجسدية فقط، بمعني آخر تسقط الهوية. من المظاهر المصاحبة للفيديو كليب التي لاحظها المسيري تصويره في أي مكان في العالم علي الرغم من أن الأغاني عربية، و لكن كما قلنا، العري و الإغراء الجسدي هو نوع من إذابة الهوية و بالتالي يمكن أن تصور الإغنية في أي مكان في العالم دون مشكلة.
الإستهلاك للإستهلاك
الزيادة الرهيبة في قدرة الدول الغربية علي الإنتاج خلقت زيادة في العرض عن الطلب. من هنا كان لابد من خلق الإحتياجات للناس لكي يستهلكوا ما تنتجه المصانع. ربما كان أحد أكثر الأسواق التي تخلق فيها الإحتياجات خلقاً هي أسواق التكنولوجيا. لنأخذ الهواتف المحمولة كمثال. الجيل الثالث من الهواتف المحمولة يسمح بنقل المكالمات بالصورة و الصوت. علي الرغم من أن الإحصائيات في أوروبا تشير إلي أن إستخدام مكالمات الفيديو أقل من عشرة بالمائة من عدد المكالمات الكلي إلا أن شركات الهواتف المحمولة نزلت بجيل كامل من الهواتف التي صاحبتها دعاية خرافية عن مكالمات الفيديو التي يمكن للهاتف أن يجريها.
ذكر (ناعوم تشومسكي) أن صناعة الإجماع هي أحد أساليب النصب التي تمارسها وسائل الإعلام لتشكيل آراء الناس. أنت تري قضية ولا تري فيها إلا رأياً واحداً. تدريجياً تشعر أن هذا هو الرأي السليم و تصبح أنت أيضاً من أتباع هذا الرأي، و إن كنت متبعأ لرأي غيره فإنك تشعر أن الوحيد الذي له هذا الرأي المخالف علي الرغم من أن هناك من يري مثل رأيك، فقط وسائل الإعلام لا تظهرهم.
علي سبيل المثال، قبل الحرب علي العراق إستضافت وسائل الإعلام الأمريكية 393 خبيراً، 3 منهم فقط يرفضون ضرب العراق و الباقيين يؤيدون. بالطبع هناك الكثير من الأصوات التي نادت بوقف الحرب علي العراق و لكن وسائل الإعلام لم تظهر هذه الأصوات، بالتالي إن وجدت أمريكياً لا يؤيد ضرب العراق فستكتشف أنه يأخذ معلوماته من مصادر أخري غير وسائل الإعلام الأمريكية المعتادة، أما رجل الشارع الأمريكي الذي أعاد إنتخاب جورج بوش فإنه يؤمن بأهمية الحرب علي العراق.
نفس الشيء تقوم به الشركات الكبري. لو إستمرينا في أخذ أجهزة الهاتف المحمول كنموذج، فأنت لا تستطيع العثور علي هاتف جيد (قدرة علي إجراء المكالمات في أماكن ضعيفة التغطية، شاشة كبيرة، واجهة إستخدام سهلة، الخ) بدون أن يكون فيه كاميرا. الكاميرا ليست ضرورة أو مقياس لجودة الهاتف، و لكن شركات الهاتف المحمول تمارس نوعاً من (صناعة الإجماع)، و تدريجياً يصير من البديهيات في وجدان الناس أن أي هاتف جيد به كاميرا، بغض النظر عن مدي حاجة المستهلك الفعلية لهذه الكاميرا التي يدفع سعرها المستهلك طبعاً بغض النظر عن حاجته الفعلية لها.
في مصر يمكنك أن تلاحظ أن الكثير من أهل الطبقات الفقيرة يحملون أجهزة هاتف في غاية الحداثة و بالطبع إرتفاع السعر. من المألوف أن تري شخص رث الثياب يشي منظره ببساطة الحال و علي الرغم من هذا فهو يحمل هاتف يزيد ثمنه علي الألف جنيه. لم يعد الهاتف وسيلة للإتصال، بل جعلته الحملات الإعلانية المكثفة التي تعلن عن أحدث الموديلات (التي يكون الكثير منها مجرد تغيير في الشكل عن الموديلات السابقة) و أحدث النغمات و الخلفيات ضرورة إجتماعية و ليس أداة إتصال.
أعرف صديقاً إشتري هاتف محمول حديث غالي الثمن. بعدها ببضعة أيام وجدته إشتري جهاز MP4 لتشغيل الأفلام و الأغاني و صار يحمله معه أينما ذهب. الغريب أن هاتفه المحمول يمكنه تشغيل الأفلام و الأغاني و هذا أحد أسباب إرتفاع سعره، فسألته عن السبب في عدم إستخدامه الهاتف لسماع الأغاني و مشاهدة الأفلام فكان رده أنه لا يريد أن يستهلك بطارية الهاتف. كثرة الإستماع للأغاني تعني أن يعيد شحن البطارية عدة مرات أسبوعياً مما يتسبب في قصر عمر البطارية ! هو يحمل هاتف حديث لأن حمل هاتف حديث هو مطلب في حد ذاته بغض النظر عن مدي فائدة هذا الهاتف الفعلية بالنسبة له.
إستهداف الجماهير الغفيرة
في كتاب (عصر الجماهير الغفيرة) ذكر د.جلال أمين أن الكثير من السلع صارت تستهدف عدداً ضخماً من الناس. المشكلة أن الناس أذواقها تختلف، و لا تشترك إلا في حب أشياء عديمة الفائدة أو المؤذية. لكي تقدم شيئاً يرضي كل الناس فلابد أن تقدم إما شيء غير أخلاقي أو علي أحسن تقدير غير مفيد.
الكوميديا مثلاً تروق لكل الناس لأن كل الناس تحب الضحك، و لكن إن ناقشت موضوعاً حيوياً في كتاب أو فيلم فلن يهتم بكتابك أو فيلمك سوي قلة من الناس هي الناس المثقفة أو ذوي الفكر. يمكنك أن تري ذلك في الكتب الكوميدية التي يصدر منها ما يزيد عن عشر طبعات في عام واحد بينما كتب شخص مثل جلال أمين أو هيكل لا يصدر منها سوي بضعة طبعات بسيطة علي مدي سنوات من نشر الكتاب. لا يمكنك أن تقول أن كتب هيكل أو جلال أمين أقل شأناً من الكتب الكوميدية و لكنها بالتأكيد تستهدف شريحة أقل من الناس.
العري هو أحد عوامل الجذب الرئيسية اليوم في وسائل الإعلام لأن كل الناس تشترك في الغريزة الجنسية، أما أذواق الناس في الإستماع أو المشاهدة فتختلف من شخص لآخر. كما قلنا من قبل، العري يزيل هوية الإنسان و قيمه و يكون نفسية الإنسان الإستهلاكي الذي يبحث عن المتعة المحسوسة فقط بدون أي إعتبارات أخري. في مختلف الحوارات مع مغنيات أو مع مسئولي قنوات فضائية عن العري المنتشر في الأغاني يكون الرد هو (هذا شيء يزيد من إنتشار الأغنية و نجاحها). لم يتحدث أحد عن الفن أو الرسالة أو المضمون، فقط المهم هو الإنتشار و النجاح. أحيانا ما يكون الرد لنفس السؤال هو (الجمهور عايز كده)، و هو نفس المبدأ الذي يتبعه تجار المخدرات فهم يقدمون سلعة يطلبها الزبائن و لكن لحسن الحظ أن القانون لا يعامل تجار المخدرات مثل تجار الفيديو كليب، و إلا لوجد كل منا الهيروين عند البقال المجاور لمنزله.
يمكنك أن تري إستهداف الجماهير الغفيرة بأشياء لا قيمة لها في نغمات المحمول مثلاً التي يحملها المرء علي جهازه مقابل مبلغ بسيط. هذه النغمات لا أهمية لها و هي نموذج للأشياء التافهة عديمة القيمة و لكنها تروق لعدد كبير من الناس. لا يوجد نص في القانون يحرم هذه الأشياء و لكن القانون يختلف عن الدين و يختلف عن الضمير.
المشروعات الغير أخلاقية
الكثير من الشركات في العالم الغربي قامت بمشروعات تهدف إلي الربح بغض النظر عن الجوانب الأخلاقية للمشروع. قد يكون هذا في بدايات الشركة و في مراحل نموها و قد يكون هذا بعد أن صارت الشركة أو المؤسسة كبيرة و ضخمة و لكن من يبحث في تاريخ المؤسسات العملاقة في الغرب لابد أن يجد في تاريخ كل مؤسسة مشروعاً أو أكثر قائمين علي عوامل غير أخلاقية. الكثير من هذه الشركات إستغلت الحروب لتكون الثروات. لو حسبنا الوقت لوجدنا أن الفترة التي كانت معظم الشركات العملاقة فيها وليدة هي فترة الحرب العالمية الثانية، و بالتالي لم يكن مستغرباً أن تقوم هذه الشركات علي أكتاف هذه الحرب. نختتم المقال بعرض بعض النماذج لمؤسسات قامت علي عوامل و مشروعات لا أخلاقية:
بنوك سويسرا
من المعروف أن بنوك سويسرا تضم أموال الكثير من الأشخاص الذين يكونون في الغالب إما لصوص أو تجار مخدرات و سلاح أو حكام فاسدين، و هم يهربون أموالهم لبنوك سويسرا لأنهم يعرفون بسرية الحسابات في هذه البنوك و كيف أنها لا يمكن أن تخضع للتأميم أو تجميد الأرصدة أو شيء من هذا القبيل. بالطبع لا يقوم البنك بالتحري عن صاحب المال، هو فقط يأتيه مال ليحتفظ به و يحقق من خلاله أرباح بشكل ما، و بالتالي يمكن دوماً التشكيك في أن صاحب المال جاء به بأسلوب غير مشروع.
بعد الحرب العالمية الثانية قام الحلفاء بالبحث عن من قاموا بجرائم التعذيب و القتل في المعتقلات و السجون النازية. تمت إسقاط كل التهم إلا القتل، و بالتالي فإن كنت جندياً أو ضابطاً و قمت بعمليات تعذيب و إغتصاب في سجون النازي فإنك غير مطلوب للعدالة ! السبب ليس تهاوناً من جانب الحلفاء، و لكن بسبب كثرة من قاموا بهذه العمليات لدرجة أن القبض عليهم مستحيل. حتي مع أخذ القتل فقط كتهمة تجعل من صاحبها مطلوباً للمحاكمة فإن عدد المطلوبين للمحاكمة تعدي عدة ألآف ما بين ضباط و جنود قاموا بهذه العمليات في مختلف الدول التي دخلها النازي.
بالطبع لم يمكن ملاحقة كل هؤلاء، و هرب الكثير منهم داخل و خارج ألمانيا و ظل البحث يركز علي الرؤوس الكبيرة، و هؤلاء كانوا ضباط الجستابو(المخابرات النازية) و قوات الحماية SSو كلاهما كان تحت قيادة هملر. كانت قوات الحماية تشكل ما يشبه أمن الدولة اليوم، و من ضمن مهامها كان إدارة المعتقلات بالطبع . بعد الحرب هرب الكثير من ضباط الجستابو و قوات الحماية إلي مختلف دول العالم و علي رأسها دول أمريكا الجنوبية، و لم يمكن العثور علي الكثير منهم. قبل هروبهم قام هؤلاء الضباط بالإستيلاء علي مخزون الذهب في ألمانيا و أسسوا مؤسسة الأوديسا ODESSA و هي إختصار لعبارة “منظمة ضباط ال SS السابقين”، و هي منظمة مسئولة عن تهريب هؤلاء الضباط و إخفاء هويتهم.
في تلك الأثناء إمتلأت بنوك سويسرا بذهب عليه علامة النسر النازي الشهيرة. هنا لم يعد هناك مجال للشك في مصدر هذا المال و إفتراض أن صاحبه قد جاء به من طريق مشروع. هذا الذهب يخص أحد النازيين، و غالباً هو ضابط من الجستابو أو ال SS .
علي الرغم من هذا لم يحرك أحد ساكناً في هذه البنوك. لم يقم أحد بالإبلاغ عن هؤلاء الأشخاص علي الرغم من طلبهم للمحاكمة. في السبعينات قام الموساد بتعقب واحد من أشهر و أهم ضابط ال SS هو أدولف إيخمان و عثروا عليه في الأرجنتين و إختطفوه و شحنوه تحت تأثير المخدر إلي إسرائيل حيث تمت محاكمته في محاكمة علنية أذاعتها وسائل الإعلام وقتها و تم إعدامه. ظل العالم يبحث عن هؤلاء النازيين لما يزيد عن ثلاثين عاماً و علي الرغم من هذا ترفض البنوك السويسرية الإفصاح عن هويتهم لأنهم عملاء يحققون لها مكاسب لا بأس بها.
زي ال SS
إشتهرت قوات ال SS بزي أسود مخيف. هذا الزي كان من تصميم بيت الأزياء الألماني الشهير (هيجو بوس Hugo Boss ) و كان الهدف منه إلقاء الهيبة و الخوف في نفس من يراه، هذه فرصة للبيزنس قائمة علي إلقاء الرعب في نفوس الناس، و كأن ما يقوم به النازيون لم يكن كافياً. للأسف تسبب اللون الأسود و القماش الذي صنع منه الزي في إمتصاصه لحرارة الشمس في الصيف و كان يتسبب في شعور مرتديه بالحر، و لهذا إشتهر ضباط ال SS بأن رائحة العرق تفوح منهم طوال الوقت !
إدارة المعتقلات النازية
إحتاج النازيون لنظام لإدارة المعتقلات مع عدد المعتقلين الرهيب، و لم يعد النظام التقليدي القائم علي الدفاتر و الأوراق مناسباً. هنا تقدمت شركة أمريكية (لاحظ أن أمريكا كانت تحارب ألمانيا إلا أن هذا لم يمثل فارقاً بالنسبة للشركات الأمريكية) بنظام جديد هو جد الكمبيوتر الحالي. كان النظم قائماً علي شرائح مثقبة حيث تمثل المنطقة المثقوبة رقم 1 و المنطقة الغير مثقوبة رقم 0، و كان هذا نظام تخزين بدائي مقارنة بأساليب التخزين في أجهزة الكمبيوتر الحديثة إلا أنه أدي الغرض للنازيين و أفاد الشركة في أنه مثل لها فرصة للنمو و الربح في بداياتها. بقي أن نعرف إسم الشركة. إنها IBM
محركات الدبابات النازية
محركات الدبابات النازية كانت تصنعها شركة أوبل التابعة لمجموعة جنرال موتورز الأمريكية.
سيارة الشعب
فكر هتلر في سيارة قوية التحمل رخيصة تناسب الشعب الألماني، و هنا تقدم فرديناند بورش (الذي تنسب إليه شركة بورش الشهيرة للسيارات الرياضية) بتصميم جيد لسيارة تحقق هذا الملطب و سعي بشدة ليري هتلر هذا التصميم. أعجب هتلر بالتصميم و وافق علي منح فرديناند بورش عمالاً من المعتقلات النازية ليعملوا في مصانعه بدون أجر طبعاً. شركة ضخمة للسيارات قامت علي هذا المشروع هي شركة فولكس فاجن، و السيارة هي الخنفسة Beetleالتي ما زالت تباع حتي اليوم.
سيمنس
شركة سينمس الشهيرة كانت مسئولة عن البنية التحتية لألمانيا بالكامل في عهد النازي: شبكات الكهرباء، خطوط السكك الحديدية، نظم الإتصالات، الخ. بالطبع إعتمدت الشركة علي سيل لا ينتهي من العبيد القادمين من المعتقلات النازية والذين كانوا يعملون بغير أجر بالطبع، و علي أكتاف هؤلاء تحولت الشركة إلي إحدي أكبر الشركات في العالم.
الشوكولاته
40% من إنتاج العالم من الكاكاو ينتج من ساحل العاج من مزارع يتم فيها إستعباد الأطفال. التقارير تشير إلي أن 109 الف طفل يعلمون كعبيد في ساحل العاج في مزارع الكاكاو. شركات إنتاج الشوكولاته (مثل نستله التي تعتبر ثالث أكبر مشتري للكاكاو من ساحل العاج) يعرفون بهذه الحقيقة و لكنها لا تشكل بالنسبة لهم مشكلة كبيرة لأن المكسب هو المهم.
*عنوان المقالة هو عبارة شهيرة (لبلزاك) و هي العبارة التي إستخدمها (ماريو بوتزو) كعبارة إفتتاحية لرواية (الأب الروحي) و هي الرواية التي تحولت فيما بعد إلي الفيلم ساحق الشهرة.