عرفت هانيبال القائد القرطاجي من كتاب صغير لأحمد خالد توفيق. و بعد أن قرأت كتاباً كبيراً لواحد من أشهر المؤرخين الحاليين في الموضوع، مؤرخ من الذين يستدلون بعدة مصادر قديمة و يجيد المقارنة بين المصادر و الرواة و يذهب بنفسه لمواقع الأحداث التي تمت من أكثر من الفي سنة، فإن النقاط الأساسية للموضوع هي التي أحسن أحمد خالد توفيق إختيارها في كتابه الصغير. هذه مجرد خواطر و أفكار عن الموضوع و أنا مدين كالعادة لأحمد خالد توفيق بمعرفته كما أنا مدين له بأشياء أخري كثيرة.
هانيبال قائد عسكري من قرطاجة (في تونس اليوم). أبوه كان قائد عسكري أيضاً، قاتل الرومان في ما يعرف بالحرب البيونية الأولي. بيونية هي كلمة تعني النسبة لقرطاجة. في البداية هزم القرطاجيون الرومان، ثم إستغل السياسيون الأمر فإسترخوا، قللوا التجهيزات و الإستعدادات العسكرية. أبو هانيبال يصرخ أن الرومان قادمون لكن السياسين المعاتيه لا يسمعون له. في النهاية كانت الهزيمة. مشكلة الهزيمة أنها لم تتوقف عند معاهدة إستسلام. كل بضعة أعوام يرسل الرومان وفداً يطلب المزيد من المال و المزيد من التنازلات عن مزيد من الأرض و إلا فالوعيد بالويل و الثبور. من هنا كره الرجل روما بعمق، بالنسبة له كان الرومان رمز لكل شيء سيء، الخيانة و الغدر و إستغلال القوة و عدم الوفاء بالعهود. ترك الرجل قرطاجة ذاهباً إلي مستعمرات قرطاجة في أسبانيا، بعيداً عن نفوذ السياسيين المعاتيه، و بدأ في تكوين نواة مادية و عسكرية لجيش ينتقم من الرومان. هنا يبدأ دور إبنه، هانيبال. الرجل ربي إبنه علي كره الرومان كراهية شبه دينية. في إحتفال ديني مهيب في معبد ضخم و تواجد للكهنة و تضحيات بحيوانات يقسم الطفل الصغير علي كره روما و الإنتقام منها، و هو الهدف الذي يعيش به و من أجله باقي عمره، و هو ما شكل الحرب البيونية الثانية.
بالطبع كلنا نعرف أن هانيبال لم يسحق روما، الإمبراطورية الرومانية إنهارت بالتدريج و ليس علي يد شخص واحد في معركة واحدة أو حتي علي مدي عدة معارك بل بالتفكك و الإنحدار التدريجي، لكني تساءلت عن ماذا كان سيحدث لو فعلاً حقق هدفه؟ تخيل أن روما تم دمارها بالكامل و لم يعد لها أدني أثر (كما سيفعل الرومان بقرطاجة بعد قرون)، ما سيحدث عندها؟ هانيبال واقف يشاهد الأطلال التي يتصاعد منها الدخان و يرمق القتلي الرومان في الشوارع بالآلاف… ماذا بعد؟ ما هي الخطوة التالية؟ لا شيء. خواء نفسي و عقلي تام، عليه الآن أن يبدأ من الصفر في البحث عن هدف و مغزي لحياته. لارا، حبيبة أيجور تاركوفسكي الحسناء محدودة الذكاء و الثقافة في ثلاثية أحمد خالد توفيق، كانت تري أن إيجور مثير للشفقة لأن هناك فكرة واحدة تسيطر عليه (الإنتقام من النازي الذي قتل أهله عندما كان طفلاً). في رأي لارا، كل الرجال الذين تسيطر عليهم فكرة واحدة مثيرين للشفقة. أنا لا أختلف معها كثيراً.
أعتقد أن هذا أحد الأسباب لتحكم الآباء في مجتمعنا في أبناؤهم حتي بعد أن يكبروا و سبب في أن الإستقلال الحقيقي التام للأبناء في مجتمعاتنا، أيا ما كان عمرهم، يأتي بكسر و تحطيم للآباء في كثير من الأحيان. الآباء لا يعرفون هدف ولا مغزي ولا هواية ولا فكرة خارج تربية الأبناء. أن تخبره أن تربية الأبناء إنتهت معناها أنك تخبره أن حياته إنتهت، و هي لم تنتهي بالموت بل إنتهت بإنعدام الهدف و الرؤية و الهواية. فراغ تام، خواء. الشخص الذي تكرس نفسك لتخطيط حياته صار قادراً علي تخطيط حياته بنفسه، أو علي الأقل يظن نفسه قادراً و لم تعد لك قدرة علي إجباره علي ما لا يريد. هنا يأتي الغضب المجنون أو الحزن أو الإكتئاب أو مزيج منهم كلهم.
يبدأ هانيبال رحلته عبر أوروبا التي تهدف في النهاية لهدم روما. هنا نري الخيوط الأساسية للفارق بين هانيبال و روما.
هانيبال يبدأ جيشه بكمية ضخمة من المحترفين، كثير منهم مرتزقة أصلاً. هو يضم المواهب القتالية من أي مكان و أي مجتمع و أي لغة. النوميديين (سكان ما يعرف اليوم بالجزائر) فرسان خارقون. يضمهم لجيشه و يجعلهم منفصلين عن غيرهم من الفرسان، حتي و هو في أوروبا و في طريقه لروما كان يجمع مقاتلين من كل جنس و لون من ضمنهم فرسان، لكن أوروبا كلها لم تعرف فرسان في نفس سرعة حركتهم و قدرتهم علي المواجهات السريعة المرتجلة. الرومان أصلاً لم يكونوا فرسان بل كانوا مشاة، الفرسان القليلن في الجيش الروماني لم يكونوا كلهم رومان أصليين، كان كثير منهم من المستعمرات التي دخلها الرومان و جند منها أشخاص (سبارتاكوس مثلاً كان من هؤلاء). في الطريق لروما هانيبال يضم مقاتلين من مخلتف قبائل السلت ممن يعادون روما، مرتزقة محترفي قتال يبحثون عن المال فقط، أي شخص من أي جنس من أي نوع و أسلوب قتالي له مكان في جيش هانيبال ما دام يحترف القتال.
في المقابل كان الجيش الروماني منظومة صلبة يدخلها فلاحين في تجنيد إجباري و في النهاية تسود العالم. تشكيلات منظمة و تدريبات قائمة علي التشكيلات الجماعية. في مسلسل (روما) كان البطل مقاتل شديد لكنه كان لا يلتزم بالأوامر فيكسر صفوف الرومان و تشكيلاتهم و يخترق صفوف العدو. في نهاية المعركة و بعد النصر يتم جلده! أنت لا تكسر الصفوف و التشكيلات مادمت في الجيش الروماني، هذا هو (العيش و الزبد) كما يقول الغربيون لحياة الجيش الروماني، أساسه الصلب الذي ينهار من دونه.
بالتالي في كل معارك هانيبال روما كان من خيوط المعركة الأساسية هي أن لا يسمح هانيبال للرومان بتكوين تشكيلاتهم التي تحتاج عادة لمساحة ضخمة. مقاتلينه مستقلين، هو يرسم لهم خطوط أساسية للمعركة و هم سريعوا الحركة محترفين يمكنهم القتال في كل مختلف الأشكال و الظروف المرتجلة، الرومان ليسوا كذلك. بالتالي مثلاً كان يجتذب الرومان للحركة ثم يهاجمهم فجأة بشكل لا يسمح لهم بتكوين تشكيلاتهم. يستدرجهم مثلاً لمكان ضيق بين جبل و بحيرة، يجبرهم علي عبور نهر بارد ثم يهاجمهم مباشرة بعد الخروج منه قبل أن يجدوا الفرصة لتكوين مربعاتهم الشهيرة في معركة أخري. جاء معه بأفيال من أفريقيا. تذكر أن ناشيونال جيوجرافيك لم تكن معروفة بالتالي الرومان لم يروا فيلاً من قبل. تخيل أن تري في أرض المعركة لأول مرة في حياتك مقاتلين يمتطون الأفيال. طبعاً بجانب العامل النفسي فالفيل له ميزة أساسية هي أنه يمكن إستخدامه لإقتحام تشكيلات الرومان. فيل علي جسده دروع يجري بإتجاه فصيلة رومانية مثلاً، مستحيل أن تكون مربعاتها و صفوفها الشهيرة، إنتهي أي شكل من أشكال التنظيم. و هكذا كانت نقطة أساسية لهانيبال أمام الرومان هي أن لا يسمح للرومان بتكوين تشكيلات، عندها لا يمكنهم القتال.
بجانب هذا كان هانيبال يستغل عدم قدرة الضباط في المستويات المتوسطة علي التخطيط، فمثلاً ينصب كمائن لفرق إستطلاع أو فصائل من الجيش أثناء حركتها لتلحق بالجزء الأكبر من الجيش، عندما تكون القيادة لضابط صغير منفصل عن القيادات العليا. هذه لم تكن معارك بل كانت إبادة تامة، الرومان لا يستطيعون التفكير عموماً، حتي علي مستوي الضباط المتوسطين وليس الجنود فقط. القادة فقط هم من يمكنهم التفكير و إتخاذ قرارات.
الرومان بشكل ما يشبهون خطوط الإنتاج الحديثة. فكرة خط الإنتاج أنك تأتي بشخص محدود القدرات و تضع له نظاماً محدداً و دور بسيط في منظومة ينتج عنها ككل منتج رائع و عظيم و يكتفي خط الإنتاج بقلة من الكفاءات تضع هذا النظام. في المقابل التكنولوجيا الجديدة القائمة علي كفاءات و من يسمون (عمال المعرفة knowledge workers)، الأشخاص الذين يقدمون في الأساس قدرات عقلية، يمثل أزمة للإقتصاديات الحديثة. كل منظومات الإدارة القديمة لا تصلح، منظومات التعليم لا تخرج ما يكفي من هؤلاء، منظومات القوانين و قواعد إنتقال الأفراد بين الدول لم تضع في الإعتبار أننا نحتاج أمثال هؤلاء من خارج بلدنا، قواعد العرق و القومية لا تصلح لتوفير الكم المطلوب منهم. البشرية عاشت لقرون بالنظام الروماني ثم إستيقظت في خلال عشرين سنة تقريباً علي إحتياج لأن تتغير تماماً لتصير مثل هانبيال.
أنت في أسبانيا، تريد أن تتجه لروما. روما يفصلك عنها جبال الألب و لكن يمكنك أن تركب البحر لتتجاوز جبال الألب فماذا تفعل؟ تصعد جبال الألب طبعاً !
لا أحد يعرف تحديداً كيف أمكن لهانيبال أن يفعلها. حين تتسلق و تعبر جبال الألب كشخص فالناس تكتب عنك المقالات و تصير رياضياً مشهوراً، لكن جيش من الألاف؟ بحيواناته التي توفر الطعام و تحمل الأثقال، بخيوله و حتي أفياله؟ أحمد خالد توفيق كان يقول (حاول أن تقنع قطة أن تتسلق سلالم عمارتك ثم تخيل المجهود المطلوب لإقناع فيل بعبور جبال الألب). بالطبع الرومان كانوا ينتظرونه في المكان الذي يتوقعون فيه نزوله من البحر ففوجئوا بأنه في مكان آخر تماماً بعد أن عبر الجبال.
هذه سمة عامة لهانيبال، هو يأخذ الطريق الصعب الغير منطقي ليفاجيء الرومان مهما تحمل من تكاليف. عبور جبال الألب كلفه كمية ضخمة من القتلي، ماتوا في البرد و الثلج أو سقطوا من الجبال. في مرة أخري عبر مستنقعات مرعبة بدلاً من أخذ الطريق الأسهل المتوقع، خرج من المستنقعات أيضاً بكثير من القتلي من البشر و الحيوانات و هو شخصياً فقد عيناً بسبب مرض أصابها من جو المستنقع الملوث. الصورة الشهيرة لهانيبال في ذهن الرومان كانت (الرجل ذو العين الواحدة يمتطي فيلاً).
أيصاً هانيبال كان يفهم السياسة الرومانية و الساسة الرومان. كان الرومان يقسمون قيادة الدولة بين شخصين، و أثناء المعارك يقود يتناوبون قيادة الجيش، كل منهم يوم، لأنهم كانوا يخافون من سيطرة العسكريين علي الحكم و قيامهم بإنقلاب عسكري - و هو ما قام به يليوس قيصر بعد قرون و كان نقطة التحول في تاريخ روما من جمهورية لديكتاتورية بكل ما صاحب هذا من إنحدار. المشكلة أن السياسيين معاتيه وصلوا للحكم فقط بأنهم قالوا للناس كلاماً جميلاً. تذكر أن مايكل كوريليوني كان يقول “أنا لا أنوي أن أترك مصيري في يد أشخاص كل موهبتهم في الحياة هي أنهم خدعوا مجموعة من الناس و أقنعوهم بالتصويت لهم”. بالتالي كان كثير من السياسيين الذين يقتسمون الحكم و قيادة الجيش مع العسكريين أشخاص شعبويين، لا موهبة لهم سوي إسماع الناس ما يرغبون في سماعه. بالتالي كان هانيبال يختار اليوم الذي يكون فيه السياسي الشعبوي هو الذي يقود الجيش ليستدرج الجيش للمعركة، عادة ما يكون هذا الشخص أحمق و أهوج و بدون خبرة عسكرية طبعاً.
النتيجة الكلية لكل ما سبق كانت معارك كثيرة أباد فيها هانيبال الرومان، كل معركة بنسبة قتلي مهولة (وصلت 75% من جيش الرومان في واحدة منها) و القائد قتيل أو جريح. واحدة من هذه المعارك، معركة كاناي، قتل فيها 20% من تعداد الذكور الرومان، و هي أكثر المعارك ضحايا في التاريخ حتي اليوم، حتي حين تأخذ في الإعتبار الحروب العالمية الأولي و الثانية.
صار هانيبال رعباً، هو يهزم الرومان و يقترب من روما معركة تلو الأخري. صارت العبارة اللاتينية (هانيبال علي الأبواب Hannibal ante portas) تترد في إجتماعات مجلس الشيوخ الروماني ثم صارت مثلاً في أن هناك كارثة علي وشك الوقوع، حتي بعد هانيبال بقرون.
هنا نتكلم عن فابيوس ماكسيموس.
فابيوس ماكسيموس قائد عسكري عجوز، وضعه الرومان كديكتاتور، حاكم مطلق حتي نتخلص من هذه الكارثة القرطاجية. وصل فابيوس لإستنتاج يحتاج شجاعة رهيبة لإعلانه: روما لا يمكنها أن تهزم هانيبال في معركة مباشرة. المنظومة التي قامت عليها روما عبر قرون لا يمكن تغيرها في يوم و ليلة ولا حتي في عشر سنين و هانيبال لا يستغل أخطاء تكتيكية بل يستغل ثغرات المنظومة الإجتماعية و السياسية و العسكرية ككل. علينا أن نتجنب مواجهته و نستنزفه فقط. بالطبع الرومان لم يعجبهم، أنت لا تخبر الإمبراطورية الرومانية بجلال قدرها أنها لا يمكنها أبداً أن تهزم شخصاً أيا ما كان، بالتالي أطلقوا علي فابيوس لقباً سيئاً هو (فابيوس المعطل Cunctator)، بمعني أنه يعطل مجهودات الرومان و نزعو منه الديكتاتورية.
بالطبع بعدها حدثت مزيد من الكوارث العسكرية فعاد الرومان لرشدهم و أعطوه الديكتاتورية مرة أخري.
مشكلة هانبيال هي مشكلة متكررة علي مدي التاريخ: لا تجعل خط إمدادك طويل. هانيبال مركزه في تونس و هو الآن في إيطاليا. مصدر إمداده بالمال، الرجال، العتاد بعيد تماماً. بالتالي قام فابيوس بمهاجمة القبائل التي تتعاون معه و تمده بالرجال و الطعام، أحرق الحقول التي يأخذ منها طعام لجيشه، أرسل قوات لتهاجم قرطاجة نفسها و في نفس الوقت تجنب أن يواجهه في معركة مباشرة. الوقت ليس في صالحه، الوقت هو ما سيهزمه و هو ما حدث بالفعل. هذه نفس مشكلة روميل في أفريقيا، هتلر في روسيا، نابوليون في روسيا،عقبة بن نافع في أفريقيا. هي نموذج متكرر. في أفريقيا كان الإنجليز يغرقون إثنان من كل ثلاث سفن يرسلها الألمان كإمدادات لروميل. روميل كان يهزم القادة الإنجليز واحداً بعد الآخر لكن مع الوقت نفذ منه الوقود و العتاد و كل شيء. نابوليون في روسيا أعطي للروس مهلة للإستسلام. لم يرد الروس، لم يرفضوا و لم يقبلوا، فقط لا رد لمدة ثلاث أسابيع بينما نابوليون يتجمد برجاله وسط الثلوج و مصدر إمداداته بعيداً في فرنسا، أقصي غرب أوروبا و هو في أقصي شرق أوروبا بالتالي عاد منهزماً دون قتال. بعد هزيمة عقبة بن نافع، موسي بن نصير إضطر لإعادة فتح المناطق التي فتحها عقبة،و ما كان يفعله عقبة إبن نافع في سنة فعله موسي إبن نصير في سبعة تقريباً. هو كان يستقر في كل مدينة حتي يدخلها الإسلام و يتمكن فيها و تكون هي برجالها و عتادها نقطة إنطلاقة لما بعدها، بدلاً من أن تكون نقطة إنطلاقه المدينة المنورة بعيداً في الحجاز.
بالتالي هانيبال لم يكن إستثناءاً.
ما فعله فابيوس كان تغيير تدريجي، لا معركة فاصلة لكن مع الوقت الأمور تتغير و في النهاية هانيبال ينهزم دون أن يخسر معركة. كلمة الفابية Fabian دخلت اللغات بمعني الهدوء و التدرج، من هنا تأتي تسمية موديل من سيارات سكودا ب (فابيا) للدلالة علي الهدوء و النعومة، و من هنا تأتي الإشتراكية الفابية و هي إشتراكية تهدف للتغيير التدريجي للمجتمع، الخ.
عموماً الإمبراطوريات بحجم روما لا تسقط بالمعارك. هي قادرة علي دخول معركة و إثنين و مائة، و مهما فقدت من مال و رجال يمكنها أن تأتي بالمزيد للحرب التالية. سبارتاكوس أدرك هذا مبكراً و حاول إقناع رجاله بعد أن هزموا روما في بضع معارك أن يهرب كل منهم لموطنه الأصلي و ينتهي الأمر لكنهم كانوا حمقي و إغتروا بالمعارك التي فازوا فيها و قالوا هل من مزيد و النهاية معروفة، تم صلبهم جميعاً علي جانبي الطريق الرئيسي المؤدي إلي روما ليكونوا عبرة، في مشهد لا أحب أن أفكر فيه. هانيبال أسقط في يده بعد كل هذه المعارك لأنه كان يتوقع إستسلاماً بشكل ما ففوجيء بأن الرومان لا ينوون أن يستسلموا بعد كل هذه الهزائم الساحقة. بعد كل هزيمة يخرجوا بجيش جديد أكبر من الجيش السابق. هذه الإمبراطوريات تسقط بالتحلل، حكم فاسد و سياسيين فاسدين و بالتدريج تتفكك الإمبراطورية جزء تلو الآخر، لكن لا تنتظر معركة فاصلة تسقط إمبراطورية بهذا الحجم. هذا عموماً من نقاط قصور تفكير كثير من العرب، أنهم بشكل ما ينتظرون معركة فاصلة بينهم و بين أعدائهم بغض النظر عن حجم أعدائهم و شكلهم، بالتالي هم بشكل ما ينتظرون معركة فاصلة مع أمريكا مثلاً ينتج عنها أن لا تصبح في الحياة شيء يسمي أمريكا. للأسف لا يوجد أي حدث سابق تاريخاً علي أن شيء كهذا ممكن.
لكن الرومان لم ينسوا لهانيبال ما فعل و حتي بعد إستسلامه و موته بقرون هاجم الرومان قرطاجة في الحرب البيونية الثالثة وأبادوها. عادة لم يكن الرومان معتادين علي هذا، هم يدخلون المدن و تصير لهم لكن هنا محوا كل أثر للحضارة القرطاجية. هم لا يريدون أي شيء يمكن أن يخرج هانيبال آخر مرة ثانية. الأمر لا يقف هنا بل هم محوا كل التاريخ القرطاجي بقدر ما إستطاعوا، و لهذا مثلاً العثور علي عملات من هذه الحقبة الزمنية صعب لأن الرومان إجتهدوا في محو هذه الحضارة وأثارها.