منذ ما يزيد عن عامين قامت فتاة أمريكية في الواحدة و العشرين من العمر بالعمل لصالح منظمة الشباب المسيحي في أمريكا، و هي منظمة للأعمال الخيرية. الفتاة ستعمل كمدرسة في حضانة لأطفال العائلات الفقيرة، العائلات التي لا يمكن فيها للأب و الأم أن يوفروا لأبناؤهم تكاليف الحضانة لأنهم شديدو الفقر و لا يمكن للأم التفرغ فيها لرعاية الأبناء. الفتاة كانت في الجامعة و كانت تقوم بهذا العمل كعادة الطلبة الأمريكيين في العمل و الإنفاق علي أنفسهم أثناء الدراسة.
بعد أن عرفها الأطفال و ألفوها صار من عادتهم حين يرونها أن يجروا بإتجاهها فاتحين أيديهم فتحتضنهم و تقبلهم. أثناء اللعب يجلسون علي ركبتها و حينما تقرأ لهم القصص كانوا يتسلقون كتفها.
هنا بدأت إدارة المدرسة في إعطاءها الإنذارات و العقوبات و محاضرات من إدارة المدرسة عن الفارق بين (اللمسة الجيدة و اللمسة السيئة). لأنه لو رآها أحد أولياء الأمور و هي تلاعب الأطفال بهذه الطريقة فيمكنه أن يقاضي الهئية بتهمة التحرش! عندما يجري إليها طفل فاتحاً ذراعيه فإن عليها أن توليه ظهرها لكي لا تعوده علي هذا النوع من التواصل الجسدي (السيء).
حتي عندما إحتضنت طفلاً في الخامسة من العمر شاهد أباه يلقي مصرعه بالرصاص بالأمس، عنفها مدير المدرسة قائلاً إن هذا أمر تتولاه أم الصبي و ليس هي !
حاولت الفتاة أن تتصل بأمها التي قضت خمسة عشر عاماً في التعليم فكان تعقيب أمها أن هذا هو النظام، لا تلمسي الأطفال.
هنا أخذت الفتاة تحتضن الأطفال و تلاعبهم و تقبلهم بشكل أكثر بكثير من ذي قبل و تحدثهم عن كل الإحتمالات الجميلة في الحياة أمامهم حين يكبرون، يمكنك أن تفكر في الأمر علي أنها كانت تشبع إحتياجها للتواصل معهم بالأسلوب الذي تراه ملائماً، ثم تقدمت بإستقالتها لأنها لم تحتمل فكرة أنه ممنوع عليها أن تحتضن و تقبل طفلاً صغيراً.
أنا كنت في مدرسة تضم كل السنوات الدراسية من الحضانة حتي الثانوية العامة. عندما كنت في المرحلة الإعدادية جاء لمدرستنا مدرس لرياض الأطفال، عندها شعرت أن في الموضوع شيء ما خطأ: هذه ليست وظيفة رجل. أنا لم أر من هذا المدرس سوءاً و لكني كنت و مازلت أشعر أن مدرسة رياض الأطفال لابد أن تكون إمرأة، المرأة هي التي تستطيع أن تداعب و تلاعب و تحنو علي طفل أفضل من مائة رجل، و في هذه السن فإن أكثر ما يحتاجه الطفل هو الحنان الكثير الغير مشروط، الحنان الذي تعرفه المرأة بالفطرة و لا يستطيع الرجل أن يتعلمه.
بالتالي حين قرأت أن هناك مجتمع تمنع فيه مدرسة رياض الأطفال من التواصل الجسدي مع الطفل فإني شعرت بأن الأمر يشبه أن يصدر أحدهم قانوناً يمنع الأطباء من وصف الأدوية للمرضي. هذه وظيفته يا أحمق، إن منعته منها فلترسله لبيته و لترسل له المرتب أول كل شهر.
أنا لم أنس ما كتبته هذه الفتاة رغم أني قرأته منذ ما يزيد عن عام، و دائماً أستشهد بمثل هذه الحادثة علي فساد الفطرة الذي يسود مجتمعات الغرب (آخر مرة إستشهدت بها كانت اليوم في لقاء مع صديق و لهذا فكرت في أن أكتبها اليوم)، و دائماً ما يعلق هذا المقال بذهني حين أفكر في الفارق بين الشرق و الغرب. لا أريد أن أعقد المقارنات لأقول أن هنا أفضل من هناك أو العكس و لكن هذه الحادثة مهمة أيا ما كانت النتيجة التي يستنتجها كل شخص منها.